وثيقة سرية تكشف استراتيجية «ترامب» للتحضير لـ«صراع محتمل» مع الصين

كشفت مذكرة توجيهية داخلية سرية، مرتبطة بمؤسسة «هيريتج» المحافظة المسؤولة عن «مشروع 2025»، أن وزير الدفاع الأميركي بيت هيغسيث أعاد توجيه أولويات الجيش الأميركي للتركيز على «ردع محاولة الصين للاستيلاء على تايوان» وتعزيز الدفاع الوطني، وذلك عبر “تحمُّل المخاطر” في أوروبا ومناطق أخرى حول العالم.
ووفقًا لصحيفة “واشنطن بوست”، تتضمن الوثيقة مقاطع تتطابق تقريبًا مع نصوص من تقرير صادر عن مؤسسة “هيريتج” العام الماضي. وقد تم توزيع هذه المذكرة، المعروفة باسم “التوجيه الاستراتيجي المؤقت للدفاع الوطني” والمصنفة “سري/غير مخصص للأجانب”، منتصف مارس الجاري داخل وزارة الدفاع، ووقّعها هيغسيث بنفسه.
توضح المذكرة، التي وُصفت بعض فقراتها بأنها ذات طابع حزبي، كيفية تنفيذ رؤية الرئيس دونالد ترامب للاستعداد لمواجهة عسكرية محتملة مع الصين، إلى جانب الدفاع عن الولايات المتحدة من تهديدات قادمة من “الجوار القريب”، بما يشمل غرينلاند وقناة بنما. كما تحدد الوثيقة أولويات كبار مسؤولي الدفاع وتدعو إلى اتخاذ موقف أكثر صرامة ضد الهجرة غير الشرعية وتهريب المخدرات.
على الرغم من أن الإدارتين السابقتين لترامب وبايدن اعتبرتا الصين التهديد الأكبر للولايات المتحدة، فإن توجيهات هيغسيث تُعد استثنائية، حيث تضع غزو الصين لتايوان كأولوية وحيدة، ما يعيد توجيه البنية التحتية العسكرية الأميركية نحو منطقة المحيطين الهندي والهادئ على حساب الدفاع الوطني.
مواجهة التهديدات العالمية
تنص المذكرة على أن البنتاغون سيتحمل مخاطر في مسارح عمليات أخرى نظرًا لمحدودية الموارد والأفراد، وسيمارس ضغوطًا على الحلفاء الأوروبيين والشرق أوسطيين والآسيويين لزيادة إنفاقهم الدفاعي. كما ستواصل الوزارة تنفيذ مهام مكافحة الإرهاب، مع تقليل التركيز على الجماعات المسلحة في الشرق الأوسط وإفريقيا التي لا تشكل تهديدًا مباشرًا للولايات المتحدة.
وأكد هيغسيث أن “الصين هي التهديد الأساسي للوزارة”، مشيرًا إلى أن “منع الاستيلاء الفعلي على تايوان والدفاع عن الأراضي الأميركية هما الأولويتان الأساسيتان”. كما أوضح أن بناء القوات الأميركية سيعتمد فقط على احتمال نشوب صراع مع الصين، ما يترك مواجهة التهديدات الروسية في عهدة الحلفاء الأوروبيين.
وتتناقض هذه الاستراتيجية مع رؤية إدارة بايدن لعام 2022 التي ركزت على التحالفات لردع العدوان الروسي، إذ يدعو توجيه هيغسيث “الناتو” إلى تحمل مسؤوليات أكبر، لأن الولايات المتحدة ستحول تركيزها نحو مناطق أخرى.
تأثير «هيريتج» على سياسات البنتاغون
سلم البنتاغون هذه المذكرة إلى لجان الأمن القومي في الكونغرس، حيث وصفها بعض الأعضاء الجمهوريين والديمقراطيين بأنها “تفتقر إلى الوضوح”، مشيرين إلى أنها تدعو إلى تقليص الوجود الأميركي في معظم مناطق العالم، بما في ذلك الشرق الأوسط، رغم تصعيد واشنطن الأخير في مواجهة الحوثيين والضغط على إيران.
وتشابه العديد من فقرات المذكرة تقريرًا مطولًا نشرته “هيريتج” عام 2024، حيث يشغل أحد مؤلفي التقرير، ألكسندر فيليز-جرين، حاليًا منصبًا رفيعًا في البنتاغون. وقد أوصى تقرير “هيريتج” بأن تركز وزارة الدفاع على ثلاث قضايا رئيسية: ردع غزو تايوان، الدفاع عن الأراضي الأميركية، وتعزيز تقاسم الأعباء بين الحلفاء، وهي أولويات تنعكس بوضوح في توجيهات هيغسيث.
الضغوط على تايوان وزيادة الوجود العسكري
زار وزير الدفاع الأميركي مؤخرًا منطقة المحيط الهادئ لتأكيد هذه الأولويات، وأبلغ القوات في قاعدة جوام بأنهم يشكلون “رأس الحربة” للعمليات الأميركية في المنطقة. وتشمل الخطة الجديدة تعزيز الوجود العسكري الأميركي عبر الغواصات والقاذفات والسفن غير المأهولة، بالإضافة إلى وحدات متخصصة من الجيش ومشاة البحرية، مع التركيز على الذخائر القادرة على تدمير الأهداف المحصنة وتحت الأرض.
ورغم تأكيد دعم تايوان، تدعو الوثيقة أيضًا إلى الضغط على تايبيه لزيادة إنفاقها الدفاعي، حيث طالب ترامب وحلفاؤه الجزيرة برفع ميزانيتها الدفاعية إلى 10% من ناتجها المحلي الإجمالي، وهي نسبة تفوق ما تنفقه الولايات المتحدة نفسها.
ومع ذلك، لا تزال هناك شكوك متزايدة لدى الحكومة التايوانية بشأن التزام واشنطن، لا سيما بعد الاجتماع المتوتر بين ترامب ونائبه جي دي فانس والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في فبراير الماضي. في محاولة لطمأنة الحلفاء، أعلن الرئيس التايواني لاي تشينج تي رفع الإنفاق الدفاعي إلى أكثر من 3% من الناتج المحلي الإجمالي، مما دفع الصين إلى تصعيد تحركاتها العسكرية قرب الجزيرة.
توسيع الدور العسكري الأميركي
تتماشى توجيهات هيغسيث مع أولويات ترامب في السياسة الخارجية، إذ تسلط الضوء على تهديدات غير محددة في “الجوار القريب”، وتشدد على ضرورة حماية المصالح الأميركية من غرينلاند إلى قناة بنما وكايب هورن.
كما تدعو المذكرة إلى تعزيز الوجود العسكري الأميركي في هذه المناطق، وضمان السيطرة على قناة بنما، والانخراط بشكل أكبر في مكافحة تهريب المخدرات وترحيل المهاجرين، وهي مهام عادة ما تكون من اختصاص وزارة الأمن الداخلي. بالإضافة إلى ذلك، تقترح الوثيقة توسيع القدرات النووية الأميركية وتطوير نظام “القبة الذهبية” للدفاع الصاروخي الداخلي، وهو مشروع لا يزال قيد الدراسة.