«غزة» وأوكرانيا في عهد «ترامب»: هل ستكون التسويات دائمة أم مؤقتة؟

يتصدر إنهاء الحروب في أوكرانيا و«غزة» أجندة السياسة الخارجية لدونالد ترامب، مع احتمال تغييرات كبيرة في إدارة جديدة.
لتنفيذ تعهدات «ترامب» بإنهاء الحرب، يحتاج «ترامب» إلى مشاركة فلاديمير بوتين، الرئيس الروسي، وبنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، في هذه الجهود وإلا سيتحول الرئيس الأمريكي الجديد نحو نهج سلفه جو بايدن في كلا الساحتين حيث إن المصالح الأمريكية والحقائق الجيوسياسية لا تتغير مع نتائج الانتخابات.
عادة ما تبدأ كل حرب بوجهات نظر مختلفة حول القوة النسبية للأطراف المتحاربة، حيث يعتقد كل جانب أنه قوي بما يكفي لتحقيق أهدافه ومع اختبار ساحة المعركة لقوتهما النسبية، يصبح الموقف أكثر وضوحًا وتتقارب الآراء وتبدأ نهاية الحرب عندما يتفق الجانبان على قوتهما النسبية وعلى طموحاتهما.
أصبحت بعض الأمور في كل من أوكرانيا و«غزة»، أكثر وضوحًا بمرور الوقت مثل مدى الإمكانات العسكرية والاقتصادية للتحالفات المتحاربة، ومدى سهولة تحويل هذه الإمكانات إلى قوة قابلة للاستخدام، ومدى احتمالية نشرها في الميدان، وما يمكن وما لا يمكن تحقيقه.
قد يساعد هذا الوضوح في إنتاج تسويات للحربين استنادًا إلى تقييمات واقعية لأهداف وأولويات كل طرف لكن استمرارية التسويات ستدوم وقدرتها على تحقيق السلام وليس فقط وقف الحرب يتوقف على التفاصيل وذلك وفقًا لما ذكرته مجلة «فورين أفيرز» الأمريكية في تقرير طالعته «العين الإخبارية».
قالت المجلة إن الولايات المتحدة لديها ثلاث مصالح رئيسية في حرب أوكرانيا هي إنقاذ «كييف» وحماية أوروبا، وكبح جماح روسيا وقد تكون التسوية المعقولة الآن قادرة على تحقيق نتائج ملموسة وإن كانت محدودة في المجالات الثلاثة.
في الشرق الأوسط فإن الولايات المتحدة لديها أيضًا ثلاث مصالح رئيسية هي حماية إسرائيل، وكبح جماح إيران، وإنقاذ إمكانية إقامة دولة فلسطينية ومن الممكن تحقيق أول هدفين الآن لكن من الصعب تحقيق الهدف الثالث رغم أهميته لأي سلام واستقرار إقليمي طويل الأمد.
خاض «ترامب» حملته الانتخابية على أساس تعهد بإنهاء الحرب بسرعة ويفترض معظم الخبراء أن هذا التعهد ينطوي على جهود لتأمين ترتيب تفاوضي يسمح لكل جانب بالاحتفاظ بالكثير من الأراضي التي يسيطر عليها حاليًا.
تكره «كييف» ومعظم حلفائها هذه الفكرة على أساس أنها ستكافئ روسيا وتسمح لها بالسيطرة على جزء كبير من أوكرانيا وهي نتيجة لم يأمل الكثيرون رؤيتها ومع ذلك، قد تكون هذه الصفقة البديل الأقل سوءًا المتاح بشكل معقول وقد تلبي مصالح جميع الأطراف بحيث تكون مقبولة.
قد تسمح هذه التسوية لروسيا بالاحتفاظ بسيطرتها الفعلية على الخمس الشرقي من البلاد في حين يسمح لبقية البلاد بالمضي قدمًا وملاحقة مصيرها المستقل والمفتاح هنا هو ضمان أمن أوكرانيا بعد توقف القتال وينبغي أن تصر إدارة «ترامب» على مثل هذه الضمانات. كما أن هذه التسوية ستوفر الوقت لحلف شمال الأطلسي «ناتو» لإعادة تسليح نفسه والاستعداد للمدى البعيد.
مع تزايد تكاليف القتال في «غزة» والجدل حوله، ومع اشتباك إسرائيل مع «حزب الله» وإيران أيضًا، حاولت إدارة «بايدن» كبح جماح شريكها، وحمله على قبول إنهاء القتال لكن حكومة «نتنياهو» تحدت كل منتقديها وواصلت الضغط.
دمرت إسرائيل «غزة»، وجعلت «حماس» غير قادرة على تشكيل تهديد أمني كبير في المستقبل القريب، كما استهدفت إسرائيل «حزب الله» في لبنان وقضت على قياداته، ودمرت أسلحته وقلصت إلى حد كبير التهديد لشمال إسرائيل.
قتلت إسرائيل مسؤولين إيرانيين رفيعي المستوى يعملون في الخارج، ودمرت الدفاعات الجوية داخل إيران، ودافعت بنجاح ضد وابل الصواريخ الإيرانية في حين أضاف السقوط المفاجئ لنظام بشار الأسد في سوريا ضربة أخرى لـ«طهران».
أعادت كل هذه التطورات تشكيل توازن القوى في المنطقة، حيث ساهمت في الهيمنة الإسرائيلية واحتوت بشكل كبير نفوذ إيران وهو ما يمكن تعزيزه عبر تسوية دائمة للقتال.
يشكل وقف إطلاق النار في «غزة» خطوة أولى حاسمة لكن إذا لم تتبعه خطوات أخرى، فإن الصراع سيشتعل مرة أخرى قريبًا وبالتالي فإن التحدي الآن يتلخص في الحفاظ على وقف إطلاق النار وإضافة ترتيبات لتحقيق استقرار «غزة» بعد الحرب وبالتالي تعزيز استقرار المنطقة.
تستحق هاتان التسويتان جائزة «نوبل للسلام»، ومن الأفضل لإدارة «ترامب» السعي إلى تحقيقهما لكن السؤال الآن هل تريد روسيا وإسرائيل ذلك.
قد يكون مقبولًا لروسيا التوصل لاتفاق يسمح برفع العقوبات المفروضة عليها والاحتفاظ بالسيطرة على المناطق التي تسيطر عليها لكن «موسكو» قد تطالب بالسيطرة غير المباشرة على باقي الأراضي الأوكرانية. وقد تجبر عدم مرونة روسيا «ترامب» على التمسك بسياسة إدارة «بايدن» لوقت أطول مما يتوقع وقد تكون هذه هي النتيجة الأكثر ترجيحًا هذا العام.
في الوقت نفسه، فإن التوصل إلى تسوية في «غزة» تؤدي إلى استقرار دائم بعد الحرب هناك سيتطلب بطولات تفاوضية على غرار ما فعله هنري كيسنجر، وزير الخارجية الأمريكي الراحل، كما يتطلب تنازلات صعبة من جانب جميع الأطراف.
سيصبح السؤال هو مدى ضخامة واستدامة التسوية التي يريد «نتنياهو» التوصل إليها، وإلى أي مدى هو على استعداد شخصيًا للمخاطرة من أجلها. وبالمثل إذا اختار «نتنياهو» عدم المضي قدمًا في عملية السلام الحقيقية، فقد تجد إدارة «ترامب» نفسها مرة أخرى تتبنى سياسة أكثر شبهًا بسياسة «بايدن» تجاه إسرائيل.