تقارير

هل ستؤدي الولاية الثانية لـ«ترامب» إلى تفكك أوروبا؟

أنه مع اقتراب تنصيب «ترامب»، ظهرت الانقسامات في أوروبا بشأن التعريفات الجمركية والعقوبات على الصين وروسيا.

بدلًا من الانشغال بالتدقيق في كل ما يقوله دونالد ترامب أو فريقه، قد يكون من الأفضل للحكومات الأوروبية التركيز على تقييم نقاط قوتها ونقاط ضعفها.

بالنسبة للاتحاد الأوروبي، فإن الخطر الرئيسي في ظل الولاية الثانية لـ«ترامب» هو أن الضغط الأمريكي المتوقع وكيفية الاستجابة له قد يزيد من التشرذم بين الدول الأعضاء وذلك وفقًا لما ذكرته مجلة «فورين بوليسي» في تحليل لها.

ركز التحليل على الموضوعات الاقتصادية الثلاثة الأكثر إلحاحًا وهي التعريفات التجارية الأمريكية، والعلاقات بين الاتحاد الأوروبي والصين، والعقوبات الروسية.

تتصدر الرسوم الجمركية التجارية قائمة المخاوف الأوروبية المتعلقة بـ«ترامب» الذي تحدث عن خطط لفرض رسوم جمركية تتراوح بين 10 في المئة و20 في المئة على الواردات الأمريكية من أوروبا، وهو ما دفع العديد من الدول الأعضاء لصياغة نقاط نقاش حول سبب كونها خاصة بما يكفي لإعفائها.

على مستوى التكتل فإن التفكير الحالي ينصب على قدرة الاتحاد على تفادي الرصاصة من خلال الوعد بتعزيز وارداتها من الغاز الطبيعي المسال الأمريكي وهو أمر قد لا يكون كافيًا لإقناع «ترامب».

إذا نفذ تعهده فإن ألمانيا وإيرلندا وإيطاليا ستكون الأكثر تضررًا حيث تعتمد الاقتصادات الثلاث بشكل خاص على السوق الأمريكية، التي تستوعب ما بين 22 و46 في المئة من صادراتها من خارج الاتحاد الأوروبي كما أنها تدير فوائض تجارية ضخمة مع الولايات المتحدة، مما يجعلها أهدافًا رئيسية للإدارة القادمة المهووسة بالعجز التجاري.

على النقيض قد لا تتأثر اقتصادات أخرى لأن الولايات المتحدة تستوعب جزءًا ضئيلًا فقط من صادراتها كما أن بلجيكا وهولندا وإسبانيا تسجل عجزًا تجاريًا مع «واشنطن» لذا لن تكون أهدافًا فورية لـ«ترامب» إذا استهدف دولًا بعينها بدلًا من الاتحاد الأوروبي ككل.

يعكس هذا الأمر خطرًا كبيرًا لتفتت الاتحاد الأوروبي استجابة لحرب تجارية محتملة بين التكتل والولايات المتحدة خاصة إذا اختار «ترامب» تعريفات مختلفة لكل من دول الاتحاد الـ27.

قد لا يكون لدى دول مثل ألمانيا رغبة في الانتقام خاصة إذا كانت تعاني من أزمات اقتصادية وسياسية وهو ما قد يتعارض مع رغبة دول أخرى مثل فرنسا في تبني موقف أكثر صرامة تجاه الولايات المتحدة.

قد يختار «ترامب» إبرام صفقات ثنائية تعفي، دولًا مثل المجر أو إيطاليا من الرسوم الجمركية بالكامل، الأمر الذي يعقد الوصول لاستجابة أوروبية موحدة كما أن الولاية الثانية للرئيس الأمريكي المنتخب ستؤدي إلى تعقيد العلاقات التجارية بين الاتحاد الأوروبي والصين التي اقترح «ترامب» فرض رسوم جمركية عليها تصل إلى 60 في المئة.

يعني خطاب «ترامب» انشغال الشركات الصينية بمضاعفة جهود تنويع الصادرات بعيدًا عن الولايات المتحدة، بما في ذلك نحو أوروبا التي تضع الحد من الاعتماد الاقتصادي على الصين كأولوية.

إذا خفضت الشركات الصينية الأسعار لزيادة صادراتها لأوروبا فقد تبدو منتجاتها الأرخص جاذبة للمستهلكين الأوروبيين مما يجعل من الصعب على الشركات الأوروبية تبني مساعي خفض المخاطر وبالتالي تشتعل الخلافات بين دول الاتحاد.

قد يرى الصقور مثل دول البلطيق وبولندا في تلك الظروف فرصة لتبني موقف أكثر صرامة تجاه الصين في حين قد تضاعف دول أخرى مثل ألمانيا والمجر من نهجها الصديق لـ«بكين».

قد يجبر «ترامب» الأوروبيين على الاختيار بن الولايات المتحدة والصين من خلال عقوبات ثانوية على بعض البنوك الصينية وحينها سيكون الانقسام في الاتحاد الأوروبي أمرًا شبه مؤكد.

يتجلى الانقسام الأوروبي أيضًا فيما يتعلق بروسيا فمنذ إعادة انتخاب «ترامب»، يتساءل الأوروبيون حول موقفهم في حال قرر وقف دعم أوكرانيا وهل باستطاعتهم دعمها بمفردهم وكيف يمكن فعل ذلك.

في محاولة للتوصل إلى اتفاق مع الكرملين، قد يعرض «ترامب» رفع بعض أو حتى كل العقوبات الأمريكية على «موسكو» ورغم أن ذلك لن يكون له تأثير فإن العواقب الحقيقية ستكون للانسحاب من العقوبات المشتركة وهو الأمر الذي سيطرح تساؤلات حول استمرار الاتحاد الأوروبي في فرض عقوبات بمفرده وهل ستكون فعالة؟

إذا رفع «ترامب» العقوبات المفروضة على «موسكو»، فمن الصعب أن يتمكن الاتحاد الأوروبي من تجديد عقوباته على روسيا بالإجماع كل ستة أشهر كما يقتضي القانون حيث يمكن أن تعارضها دول مثل المجر خاصة إذا انتزعت تنازلات جمركية من «ترامب».

إذا انسحبت «واشنطن»، فإن فاعلية العقوبات الأوروبية ستكون محدودة، لأن الاتحاد يعتمد غالبًا على وكالات أمريكية لرصد التهرب من العقوبات.

في ضوء ولايته الأولى فإن «ترامب» يحب تغيير رأيه كثيرًا وبشكل غير متوقع وبدلًا من النظر عبر الأطلسي، يمكن لقادة الاتحاد الأوروبي أن يكونوا أكثر فاعلية إذا وضعوا الأساس لكي يظل التكتل موحدًا، بغض النظر عن أهداف الولايات المتحدة وهي مهمة قد تكون صعبة لأنها أفضل فرصة لأوروبا للاستعداد لعودة «ترامب».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى