الذكاء الاصطناعي والطاقة النووية: شراكة واعدة أم تهديد وجودي؟
شهدت السنوات الأخيرة تحولًا كبيرًا في العلاقة بين عمالقة التكنولوجيا ومصادر الطاقة التقليدية. مع تزايد احتياجات الطاقة لتشغيل مراكز البيانات الضخمة التي تدعم الذكاء الاصطناعي، بدأت الشركات الكبرى مثل جوجل وأمازون ومايكروسوفت في البحث عن بدائل أكثر استدامة وكفاءة للطاقة.
هذا التحول تجسد في الاستثمارات الكبيرة التي أطلقتها هذه الشركات في قطاع الطاقة النووية، الذي كان قد تراجع لعدة عقود بسبب المخاوف المتعلقة بالسلامة والتكاليف المرتفعة. ومع ظهور ابتكارات جديدة في مجال المفاعلات النووية الصغيرة (SMRs)، التي تتميز بالأمان والمرونة، أصبح من الممكن عودة الطاقة النووية إلى الواجهة.
لكن السؤال يبقى: لماذا تفضل هذه الشركات الطاقة النووية بدلاً من الطاقة المتجددة مثل الشمس أو الرياح؟ وما هي المفاعلات النووية الصغيرة؟ وما التحديات التي تواجه الولايات المتحدة في تطويرها؟ وهل ستساهم هذه المفاعلات في دفع الابتكار والاستدامة في مجال الذكاء الاصطناعي، أم أنها قد تقودنا إلى عصر جديد من الكوارث النووية؟
أولاً: الشركات التي استثمرت في مشاريع الطاقة النووية
أعلنت جوجل وأمازون ومايكروسوفت عن استثمارات ضخمة في مشاريع الطاقة النووية، بهدف بناء محطات جديدة أو إعادة تشغيل محطات قديمة. هذه الشركات، التي تعتبر من رواد الحلول السحابية في العالم، تعتبر أيضًا من أكبر المتبنين لتقنيات الذكاء الاصطناعي، لذلك ليس غريبًا أن تكون هي من يقود هذا التحول في مجال الطاقة النووية.
أبرز مشاريع الذكاء الاصطناعي النووي:
- جوجل:
أبرمت جوجل اتفاقية مع شركة “Kairos Power” لبناء 7 مفاعلات نووية صغيرة لتشغيل مراكز بياناتها. هذه المفاعلات ستوفر حوالي 500 ميجاواط من الطاقة الخالية من الكربون بحلول 2035. - مايكروسوفت:
تخطط مايكروسوفت لإعادة تشغيل محطة “Three Mile Island” النووية في بنسلفانيا، التي كانت قد أغلقت بعد الحادث النووي الأكثر شهرة في الولايات المتحدة. الهدف هو توفير 835 ميجاواط من الطاقة لمراكز بياناتها بحلول 2028. - أمازون:
أعلنت أمازون عن توقيع اتفاقيات لتطوير مفاعلات نووية صغيرة في الولايات المتحدة، بما في ذلك مع شركة “Energy Northwest” لتطوير أربعة مفاعلات صغيرة تولد 320 ميجاواط في المرحلة الأولى.
ثانيًا: ما هي المفاعلات النووية الصغيرة؟
المفاعلات النووية الصغيرة هي وحدات نووية متقدمة صغيرة الحجم تولد حتى 300 ميجاواط من الكهرباء، أي ثلث قدرة المفاعلات التقليدية. تتميز هذه المفاعلات بمرونتها، حيث يمكن تصنيعها في المصانع ونقلها كوحدات جاهزة لتركيبها في مواقع محددة. كما أن هذه المفاعلات تتمتع بأنظمة أمان متطورة تقلل من الحاجة للتدخل البشري، مما يجعلها أكثر أمانًا مقارنة بالمفاعلات التقليدية.
ثالثًا: لماذا الطاقة النووية بدلاً من الطاقة المتجددة؟
مراكز البيانات، التي تشغل نماذج الذكاء الاصطناعي الضخمة، تحتاج إلى كميات هائلة من الطاقة. وبالرغم من التطور في الطاقة المتجددة، فإن هذه الطاقة تتأثر بالظروف الجوية وتقلبات الطقس، مما يجعلها أقل موثوقية في تلبية الاحتياجات المستمرة. في المقابل، توفر الطاقة النووية طاقة عالية موثوقة ومستدامة مع انبعاثات كربونية منخفضة، مما يجعلها خيارًا جذابًا لتلبية احتياجات مراكز البيانات الضخمة.
رابعًا: التحديات التي تواجه تطوير المفاعلات النووية الصغيرة في الولايات المتحدة
إحدى أكبر التحديات التي تواجه الولايات المتحدة في تطوير المفاعلات النووية الصغيرة هي الحصول على الموافقات التنظيمية اللازمة. حتى الآن، لم يتم بناء أو تشغيل أي مفاعل نووي صغير في الولايات المتحدة، رغم وجود حوالي 70 تصميمًا معتمدًا. كما أن تطوير الوقود النووي عالي التخصيب (HALEU) يمثل تحديًا كبيرًا، حيث أن إنتاجه محصور حاليًا في روسيا، مما يعرقل قدرة الولايات المتحدة على تلبية احتياجاتها المستقبلية.
خامسًا: الذكاء الاصطناعي والطاقة النووية: شراكة واعدة أم تهديد وجودي؟
بينما يتطلب تشغيل مراكز البيانات الضخمة للذكاء الاصطناعي كميات ضخمة من الطاقة، لا تتطلب أنظمة الطاقة النووية استخدام الذكاء الاصطناعي. بل بالعكس، تُحظر إضافة الذكاء الاصطناعي إلى أنظمة الطاقة النووية لضمان السلامة. لذا، العلاقة بين الذكاء الاصطناعي والطاقة النووية هي علاقة أحادية: حيث تعتمد مراكز البيانات على الطاقة النووية، ولكن تشغيل المفاعلات لا يتطلب الذكاء الاصطناعي.
تظل المفاعلات النووية الصغيرة محط اهتمام بسبب تصميمها المتطور وأمانها النسبي، لكنها تظل تواجه تحديات تنظيمية وهندسية.