تقارير

بعد فوز ترامب بالرئاسة الأمريكية: ماذا ينتظر العالم من الحرب التجارية مع الصين؟

بعد فاز دونالد ترامب مجددًا في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، فإن العالم قد يكون أمام تصعيد جديد في الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، التي كانت قد اندلعت في عهد ترامب الأول. ورغم أن إدارة الرئيس الحالي جو بايدن قد استمرت في بعض السياسات الاقتصادية الموجهة نحو الصين، فإن عودة ترامب إلى البيت الأبيض ستكون بمثابة العودة إلى سياسة “أمريكا أولًا” و”الحمائية التجارية” التي تميزت بها ولايته السابقة. في هذا السياق، هناك عدة تطورات متوقعة قد تحدث على مستوى الاقتصاد العالمي، والعلاقات الثنائية بين أكبر اقتصادين في العالم.

1. تصعيد الرسوم الجمركية والعقوبات الاقتصادية

من أبرز التوقعات هو عودة ترامب إلى فرض رسوم جمركية قاسية على الصادرات الصينية، وهو ما كان قد فعله سابقًا في حربه التجارية مع بكين. في حال فاز ترامب، من المتوقع أن يستمر في تنفيذ هذه السياسات كجزء من استراتيجية “الضغط الأقصى” على الصين. ترامب قد يسعى لتوسيع قائمة السلع الصينية المستهدفة بالرسوم، مستهدِفًا صناعات حيوية مثل التكنولوجيا المتقدمة، السيارات، والطاقة.

  • رسوم جديدة على الصادرات الصينية: ترامب كان قد فرض رسومًا بنسبة 25% على مئات المليارات من السلع الصينية، والعديد من المحللين يتوقعون أن يعود هذا السيناريو إذا فاز مجددًا. الصين قد ترد بنفس الطريقة من خلال فرض رسوم على المنتجات الأمريكية، ما يؤدي إلى تفاقم النزاع.
  • عقوبات على شركات التكنولوجيا الصينية: في فترته الأولى، فرض ترامب عقوبات على شركات صينية مثل “هواوي” و”زد تي إي” بتهم تتعلق بالأمن السيبراني. من المرجح أن يستمر في استهداف الشركات الصينية العاملة في قطاعات التكنولوجيا والاتصالات، وقد تتوسع هذه العقوبات لتشمل مجالات أخرى مثل الذكاء الاصطناعي، والذكاء الصناعي، والتكنولوجيا الحيوية.

2. الضغط على الصين لفتح أسواقها وتعزيز حقوق الملكية الفكرية

تحت إدارة ترامب، كانت المطالبات الرئيسية تشمل إعادة هيكلة العلاقة التجارية بين البلدين، بما في ذلك تقليص العجز التجاري الأمريكي الضخم مع الصين. كما كان ترامب يدعو إلى إصلاحات في سوق العمل الصيني وتحسين حماية الملكية الفكرية الأمريكية في الصين. هذه النقاط ستظل في صدارة أولويات ترامب إذا عاد إلى البيت الأبيض:

  • زيادة المشتريات الأمريكية: وفقًا لاتفاق “المرحلة الأولى” الذي تم التوصل إليه في يناير 2020، تعهدت الصين بزيادة مشترياتها من السلع الأمريكية بما يعادل 200 مليار دولار على مدى عامين. من المحتمل أن يطالب ترامب بتنفيذ هذا الاتفاق بشكل أكثر صرامة، وقد يحاول التفاوض على اتفاقات جديدة تشمل قطاعات إضافية.
  • الملكية الفكرية: من المتوقع أن يعود ترامب للضغط على الصين للحد من سرقة الملكية الفكرية وفرض قوانين أكثر صرامة لحماية الحقوق الرقمية. في حال فاز ترامب، قد يزيد الضغط على الشركات الصينية التي تتهمها الولايات المتحدة بانتهاك حقوق الملكية الفكرية.

3. التنافس التكنولوجي والجيوسياسي

لن تقتصر الحرب التجارية على الجوانب الاقتصادية فحسب، بل قد تتصاعد إلى مواجهة جيوسياسية وتكنولوجية أكبر. في ظل سياسة “أمريكا أولًا”، سيسعى ترامب لتقييد النفوذ التكنولوجي الصيني عالميًا، خاصة في مجالات مثل 5G والذكاء الاصطناعي. هذا قد يشمل:

  • التصعيد ضد شركات التكنولوجيا الصينية: من المحتمل أن تزداد الضغوط على شركات مثل “هواوي” و”تيك توك” و”بايدو”، مع احتمال اتخاذ إجراءات أكثر صرامة لمنع هذه الشركات من الوصول إلى الأسواق الأمريكية والدول الحليفة. هذه الخطوات قد تشمل فرض قيود إضافية على استيراد التكنولوجيا الصينية أو حتى قطع الوصول إلى بعض التقنيات الحساسة.
  • العقوبات على الشركات المرتبطة بالجيش الصيني: كانت الإدارة الأمريكية في عهد ترامب قد فرضت عقوبات على الشركات الصينية المرتبطة بالجيش الصيني أو الأنشطة التي تهدد الأمن القومي. من الممكن أن تستمر هذه السياسة بشكل أكثر تطرفًا في حال عودة ترامب، مع استهداف أكبر لقطاع التكنولوجيا الصيني.

4. التأثير على الاقتصاد العالمي

تصعيد الحرب التجارية بين الصين وأمريكا سيؤدي إلى تداعيات واسعة النطاق على الاقتصاد العالمي:

  • الاضطراب في سلاسل الإمداد: من المتوقع أن تتأثر سلاسل الإمداد العالمية نتيجة للتوترات التجارية، حيث تسعى الشركات متعددة الجنسيات إلى تنويع مصادرها لتقليل اعتمادها على الصين. هذا سيؤدي إلى تغييرات في الإنتاج العالمي، وارتفاع التكاليف في بعض القطاعات، وتباطؤ في النمو الاقتصادي.
  • تقلبات في الأسواق المالية: ستشمل التأثيرات المتوقعة أيضًا أسواق الأسهم والعملات. في حالة تصعيد التوترات التجارية، قد تحدث تقلبات حادة في الأسواق، مما يؤدي إلى تراجع في الثقة الاقتصادية.
  • انكماش اقتصادي في بعض الدول: يمكن أن تتسبب الحرب التجارية في انكماش اقتصادي في دول تعتمد على التجارة مع الصين أو الولايات المتحدة. ستؤثر الرسوم الجمركية على المستهلكين والشركات، خصوصًا في الدول النامية التي تشارك في سلاسل الإمداد.

5. الرد الصيني والتداعيات الجيوسياسية

لا شك أن الصين سترد على السياسات التجارية العدائية. الردود المحتملة تتراوح من زيادة الرسوم الجمركية على المنتجات الأمريكية إلى استخدام أدوات أخرى مثل:

  • الرد بالمثل على العقوبات: قد ترد الصين بفرض عقوبات على الشركات الأمريكية أو فرض رسوم إضافية على الواردات الأمريكية.
  • تقوية التحالفات مع القوى العالمية الأخرى: الصين قد تتجه إلى تعزيز علاقتها التجارية مع دول أخرى، مثل الاتحاد الأوروبي أو دول آسيا الناشئة، لتعويض أي خسائر قد تنجم عن الرسوم الأمريكية.
  • الضغط على الولايات المتحدة في مجالات أخرى: يمكن أن تتبنى الصين سياسة أكثر تشددًا في مجالات مثل التجارة الإقليمية والسياسة الخارجية، مما يؤدي إلى تصعيد التوترات في مناطق مثل بحر الصين الجنوبي أو تايوان.

الخلاصة

إذا فاز ترامب مجددًا بالرئاسة، من المحتمل أن نشهد تصعيدًا حادًا في الحرب التجارية مع الصين. سيكون هناك تركيز كبير على فرض رسوم جمركية جديدة، ممارسة ضغوط إضافية على الصين لفتح أسواقها، وتعزيز العقوبات ضد الشركات الصينية. من المرجح أن يؤثر هذا التصعيد بشكل كبير على الاقتصاد العالمي، وقد يؤدي إلى تغييرات كبيرة في سلاسل الإمداد وأسواق المال. في المقابل، ستحاول الصين الرد باستخدام أدوات اقتصادية ودبلوماسية، مما قد يزيد من تعقيد العلاقات التجارية بين البلدين في المستقبل القريب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى