تقارير

مذابح في الفاشر: سيطرة قوات الدعم السريع والحكومة السودانية تطالب بمحاكمتهم دولياً

شهدت مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور في غرب السودان، تصعيداً دراماتيكياً في أعمال العنف خلال الأيام الماضية، مع تقارير صادمة عن مقتل آلاف المدنيين على يد قوات الدعم السريع (RSF) بعد سيطرتها على المدينة.

أثارت هذه الأحداث إدانات دولية واسعة، ودفعت الحكومة السودانية إلى الدعوة العاجلة لمحاسبة هذه القوات أمام المحاكم الدولية بتهم جرائم حرب وإبادة جماعية.

دعوة حكومية للمحاسبة الدولية

في مؤتمر صحفي عقد يوم الأربعاء، أكد خالد الإعيسر، وزير الإعلام والمتحدث الرسمي باسم الحكومة، أن “قوات الدعم السريع ارتكبت مذابح مروعة ضد المدنيين في الفاشر ومدينة بارا بشمال كردفان، حيث قتلتهم بدم بارد دون تمييز”.

ودعا الإعيسر الإعلام المحلي والدولي إلى “كشف الانتهاكات الوحشية لهذه المليشيا، التي تستهدف النساء والأطفال والمسنين بشكل منهجي”، مشدداً على ضرورة تدخل المجتمع الدولي لوقف “هذه الجرائم الإنسانية”.

جاءت هذه التصريحات في سياق انسحاب القوات المسلحة السودانية (SAF) من المدينة يوم الاثنين الماضي، بعد حصار دام 18 شهراً من قبل الدعم السريع، مما سمح لها بالسيطرة الكاملة على الفاشر، آخر معاقل الجيش في دارفور.

إحصائيات مرعبة: أكثر من 2000 قتيل

أعلنت حكومة إقليم دارفور، في تصريح لقناة “العربية/الحدث”، أن عدد القتلى في الفاشر تجاوز 2000 شخص حتى الآن، معظمها مدنيون غير مسلحين، بما في ذلك نساء وأطفال ومسنون.

وأوضح مسؤول الإعلام في الحكومة الإقليمية أن “الأرقام الرسمية غير كاملة بسبب انقطاع الاتصالات والفوضى السائدة، ومن المتوقع أن تكون الأعداد أعلى بكثير مما تم توثيقه”.

وأفاد المسؤول بأن قوات الدعم السريع قتلت 700 مدني في الساعات الأولى لدخولها المدينة يوم الأحد 26 أكتوبر، بالإضافة إلى تصفية أكثر من 450 شخصاً من المرضى والمصابين والكوادر الطبية داخل المستشفى السعودي.

كما رُصدت أكثر من 300 حالة اختطاف لأفراد من عائلات ميسورة، مع مطالبات بفديات مالية مقابل إطلاق سراحهم، أو القتل في حال الرفض.

هذه التقارير تتطابق مع بيانات منظمات دولية، حيث أفاد مختبر البحث الإنساني بجامعة ييل بأدلة من صور الأقمار الصناعية وفيديوهات مفتوحة المصدر تشير إلى إعدامات جماعية ودفن جماعي للضحايا.

كما وثقت شبكة الأطباء السودانيين “مذبحة إبادة عرقية” استهدفت قبائل غير عربية مثل الزغاوة والفور، مع مقتل عشرات في الـ24 ساعة الأولى.

انتهاكات في بارا ومخاوف من توسع النزيف

لم تقتصر الانتهاكات على الفاشر، إذ أبلغ مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان عن إعدامات ملخصة لمدنيين في مدينة بارا بولاية شمال كردفان، التي سيطرت عليها الدعم السريع يوم 25 أكتوبر. الضحايا، الذين يُتهمون بدعمهم للجيش السوداني، قُتلوا بتهمة “التعاون مع العدو”، وسط تقارير عن هجمات على طرق الهروب وغارات على المستشفيات.

أعربت دول عربية مثل السعودية ومصر وقطر وتركيا والأردن عن “قلقها البالغ” من هذه “الانتهاكات المروعة”، مطالبة بوقف فوري لإطلاق النار وحماية المدنيين، مع التأكيد على دعم وحدة السودان ورفض أي محاولات لتقسيمه.

الأزمة الإنسانية: مجاعة ونزوح جماعي

كانت الفاشر، التي تضم نحو 260 ألف نسمة ومليون نازح، تعاني بالفعل من مجاعة حادة (المرحلة 5 من تصنيف IPC) بسبب الحصار، مع ارتفاع أسعار الغذاء خمس مرات عن باقي السودان.

الآن، يفر آلاف المدنيين نحو المناطق الصحراوية باتجاه تشاد، لكن نقاط التفتيش التابعة للدعم السريع أوقفت عشرات الشباب وأجبرتهم على القتال، مما أدى إلى مقتل العديد منهم.

أصدرت منظمة العفو الدولية تحذيراً عاجلاً، مطالبة الدعم السريع بـ”وقف الهجمات على المدنيين والبنية التحتية، وفتح ممرات آمنة للهروب والمساعدات”.

كما حذر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش من “تصعيد مروع” قد يؤدي إلى “إبادة جماعية كاملة” في دارفور، مستذكراً تاريخ الجماعات المتحالفة مع الدعم السريع في مذابح الجنجويد عام 2003.

خلفية النزاع ومخاطر التقسيم

يأتي سقوط الفاشر بعد معارك عنيفة استمرت أكثر من عام، حيث سيطرت الدعم السريع على معظم دارفور، مما يعزز سيطرتها على المنطقة بالكامل ويثير مخاوف من “تقسيم السودان شرقاً-غرباً”.

الحرب الأهلية، التي اندلعت في أبريل 2023 بين الجيش وقوات الدعم السريع، أودت بحياة عشرات الآلاف وشردت 12 مليون شخص، مما يجعلها أكبر أزمة إنسانية في العالم.

رغم وعود الدعم السريع بحماية المدنيين، تستمر التقارير عن عنف جنسي ونهب وهجمات عرقية، مما يعيد إلى الأذهان مذابح غرب دارفور في 2023.

ومع انقطاع الاتصالات وصعوبة الوصول، يبقى الوضع غامضاً، لكن الخبراء يحذرون من “خطر إبادة عرقية” إذا لم يتدخل المجتمع الدولي فوراً.

Mariam Hassan

مريم حسن كاتبة وصحفية متخصصة في الشأن الهندي ـ الباكستاني و جنوب شرق آسيا خبرة سنتين في مجال العمل الصحفي والإعلامي. أماكن العمل : داي نيوز الإخباري. أعمل على ترجمة وتحرير الأخبار والتقارير الصحفية المتنوعة. تحليل و دراسة التحولات السياسية والتهديدات الأمنية في آسيا وانعكاساتها على الأمن القومي المصري والعربي. متابعة التطورات الاقتصادية والتكنولوجية، وتحليل سياسات القوى الإقليمية وأنماط التحالفات بين جنوب آسيا والشرق الأوسط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى