تقرير| حكومة الوحدة الإسرائيلية: نهاية أزمة سياسية غير مسبوقة

بعد ماراثون سياسي محموم استمر لعام ونصف، ووسط ثلاث معارك انتخابية متتالية حبست الأنفاس وأغرقت إسرائيل في دوامة من الشلل الحكومي، بزغ فجر جديد في سماء المشهد السياسي الإسرائيلي مع حلول شهر مايو 2020.. ففي لحظة تاريخية قلبت طاولة التوقعات، أُعلِن عن تشكيل حكومة وحدة وطنية بين الغريمين اللدودين، زعيم حزب “الليكود” رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، وزعيم حزب “أزرق أبيض”، بيني غانتس، لينهيا بذلك أطول فترة جمود سياسي عرفتها إسرائيل على الإطلاق.
تم التوصّل إلى الاتفاق بين حزب “الليكود” وحزب “أزرق أبيض” في 20 أبريل 2020، والذي نص على تشكيل حكومة تناوب. وبموجب هذا الاتفاق، سيتولى “نتنياهو” رئاسة الوزراء لمدة 18 شهرًا، يليه “غانتس” الذي سيتولى المنصب للفترة المتبقية. كما نص الاتفاق على أن يشغل غانتس منصب “رئيس الوزراء البديل” ووزير الدفاع خلال فترة “نتنياهو” الأولى.
صادق الكنيست على تشكيل الحكومة الجديدة في 7 مايو 2020، بأغلبية 71 صوتًا مقابل 37 معارضًا، وتم أداء اليمين الدستورية للحكومة في 17 مايو من العام نفسه. وتعد هذه الحكومة، التي ضمت 36 وزيرًا و16 نائب وزير، الأكبر في تاريخ إسرائيل.
جاء تشكيل هذه الحكومة في وقت حرج، حيث كانت إسرائيل، كغيرها من دول العالم، تواجه تحديات جسيمة بسبب جائحة فيروس “كورونا” المستجد وتداعياتها الاقتصادية. وقد أشار كل من “نتنياهو” و”غانتس” إلى أن الأولوية القصوى للحكومة الجديدة ستكون معالجة الأزمة الصحية والاقتصادية الناجمة عن الوباء.
من أبرز بنود الاتفاق أيضًا، المُضي قُدمًا بشأن إعلان الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، السيادة الإسرائيلية على أجزاء من الضفة الغربية، وفقًا لخطة “ترامب” للسلام، بدءًا من 1 يوليو 2020. وهو هذا البند أثار جدلًا واسعًا محليًا ودوليًا منذ الإعلان عنه في 20 أبريل الماضي.
بالإضافة إلى ذلك، جاء تشكيل الحكومة في ظل اتهامات الفساد الموجهة ضد “نتنياهو”، حيث كان من المقرر أن تبدأ محاكمته في 24 مايو 2020. وعلى الرغم من معارضة البعض لتولي “نتنياهو” منصب رئيس الوزراء وهو يواجه هذه الاتهامات التي بعضها جنائية أيضًا، فإن المحكمة العليا الإسرائيلية قضت بعدم وجود مانع قانوني يحول دون تشكيله للحكومة، لتكون بارقة أمل التي تساهم في بقائه السياسي.
تمثّل حكومة الوحدة هذه نقطة تحول جوهرية في المشهد السياسي الإسرائيلي. فقد جمعت بين خصمين عنيدين طالما تنافسا بشدة لسنوات. وقد أجمع كثيرون على أن هذا التشكيل كان ضرورة وطنية ملحة للخروج من حالة الجمود السياسي الطويلة، ومواجهة التحديات المصيرية التي كانت تحدق بالبلاد آنذاك.
في الختام، من الضروري التأكيد أن هذه الحكومة الائتلافية تواجه تحديات جمّة، لا سيما أنها تضم أطرافًا متباينة في الرؤى والأهداف، ولذلك فإن لم تتمكن الحكومة من صياغة رؤى وسطية بشأن القضايا الخلافية الجوهرية، فإن مستقبلها سيكون على المحك. فالقضايا الشائكة، سواء كانت داخلية أو خارجية، تتطلب تضافر الجهود وتقديم التنازلات المتبادلة، والفشل في تحقيق هذا التوازن -وهو الأمر المُرجح- قد يؤدي إلى تصدع الائتلاف وانهيار الحكومة، ما سيعيد البلاد إلى دوامة من عدم الاستقرار السياسي ويُعيق التقدم في مواجهة التحديات الملحة التي تواجهها.