تقارير

سياسات حاضرة بين الهند والخليج… خطوة نحو ممر يربط الهند بالعالم

كتبت: سارة محمود

برزت اتفاقية التجارة الحرة المقترحة بين الهند وقطر كخطوة هامة في سياق استراتيجية الهند لتنويع تجارتها. فبينما يسعى البلدان إلى تعزيز التعاون الاقتصادي وتوسيع نطاق وصولهما إلى الأسواق، يُتوقع أن تُعمّق هذه الاتفاقية العلاقات الثنائية في قطاعات رئيسية كقطاعات الطاقة والتصنيع والبنية التحتية والخدمات. وتنسجم هذه الاتفاقية مع طموح الهند الأوسع نطاقاً لتعزيز التكامل التجاري الإقليمي مع دول مجلس التعاون الخليجي، ودعم هدفها المتمثل في تحقيق نمو اقتصادي مستدام ومتنوع.

دور الهند المتنامي في منطقة الخليج

لطالما تمحورت العلاقات التجارية بين الهند ومنطقة الخليج حول الطاقة، حيث شكل النفط الخام والغاز الطبيعي الركيزة الأساسية لوارداتها. وتلعب قطر، باعتبارها واحدة من أكبر مصدري الغاز الطبيعي المسال في العالم، دورًا محوريًا في أمن الطاقة الهندي. ومع ذلك، يتطلع البلدان الآن إلى تجاوز التركيز على المواد الهيدروكربونية لإقامة شراكة تجارية أوسع.

قد تفتح اتفاقية التجارة الحرة بين الهند وقطر آفاقاً للتعاون في قطاعات غير الطاقة، كالتكنولوجيا والأدوية والمنسوجات والزراعة. بالنسبة للهند، توفر هذه الشراكة فرصة استراتيجية لتعزيز حضورها في الشرق الأوسط، وتحقيق توازن في اعتمادها التجاري بين مختلف المناطق. أما بالنسبة لقطر، فتتيح لها الوصول إلى أحد أسرع أسواق العالم نمواً، لا سيما في مجال التكنولوجيا الرقمية والطاقة المتجددة.

إقرأ أيضاً: زيارة بوتين إلى الهند.. تعزيز الشراكة أم تحدٍ مباشر لسياسات ترامب؟

التنويع والتكامل الاقتصادي

تأتي اتفاقية التجارة الحرة المقترحة في وقت تسعى فيه الدولتان إلى تنويع اقتصاداتهما. وتركز مبادرتا الهند “صنع في الهند” و”الهند المكتفية ذاتياً” على التصنيع والنمو القائم على التصدير، بينما تركز رؤية قطر الوطنية 2030 على تقليل الاعتماد على المحروقات وتطوير اقتصاد قائم على المعرفة.

من خلال اتفاقية التجارة الحرة، يمكن للمصنعين الهنود الاستفادة من امتيازات الوصول إلى الأسواق القطرية في قطاعات مثل السلع الهندسية ومواد البناء والإلكترونيات الاستهلاكية. في المقابل، يمكن للمستثمرين القطريين إيجاد فرص استثمارية في قطاعات البنية التحتية والطاقة المتجددة والخدمات المالية في الهند. من شأن هذا التبادل الاستثماري أن يُرسي علاقة تجارية أكثر متانة وأقل تأثراً بتقلبات أسواق الطاقة العالمية.

 

تعزيز الربط التجاري والخدمات اللوجستية

يعتمد تنويع التجارة بشكل كبير على كفاءة الخدمات اللوجستية والربط. يمتلك الممر الهندي القطري إمكانية التحول إلى مركز استراتيجي للخدمات اللوجستية البحرية والجوية، يربط جنوب آسيا بالشرق الأوسط وما وراءه. ويمكن لتحسين الربط بين الموانئ، وزيادة خطوط الشحن، وتطوير الإجراءات الجمركية الرقمية، أن يقلل بشكل كبير من أوقات وتكاليف النقل.

بالإضافة إلى ذلك، يمكن لاتفاقية التجارة الحرة أن تشجع التعاون في التجارة الرقمية والخدمات اللوجستية الذكية، مستفيدةً من تقنيات مثل تقنية سلسلة الكتل والذكاء الاصطناعي لتبسيط إدارة سلسلة التوريد. وهذا من شأنه أن يحسن كفاءة التجارة ويعزز الشفافية والثقة بين الشركاء الإقليميين.

الآثار الاستراتيجية والجيوسياسية

إلى جانب المكاسب الاقتصادية، تحمل اتفاقية التجارة الحرة بين الهند وقطر أهمية جيوسياسية أوسع. ففي ظل تحولات ديناميكيات التجارة العالمية نتيجة لإعادة تنظيم سلاسل التوريد والنزاعات الإقليمية، يُعزز التعاون الاقتصادي الوثيق بين الهند وقطر الاستقرار الإقليمي والترابط بين البلدين.

بالنسبة للهند، يُسهم تعميق العلاقات مع قطر في دعم استراتيجيتها الرامية إلى تحقيق التوازن في العلاقات عبر منطقة الخليج، وضمان أمن الطاقة، وترسيخ مكانتها كشريك تجاري رئيسي في غرب آسيا. أما بالنسبة لقطر، فإن توسيع العلاقات التجارية مع الهند يُثري شراكاتها العالمية ويُقلل اعتمادها على الاقتصادات الغربية. كما يُمكن لهذا التعاون المتبادل أن يُعزز دور الهند في منطقة المحيط الهندي كمركز لوجستي وتصنيعي لأسواق غرب آسيا.

على الرغم من أن الآفاق واعدة، إلا أنه لا بد من معالجة العديد من التحديات قبل أن تتمكن اتفاقية التجارة الحرة من تحقيق كامل إمكاناتها. يجب أن تتناول المفاوضات قضايا تتعلق بتخفيضات الرسوم الجمركية، وقواعد المنشأ، وحماية الاستثمار. كما يجب على كلا البلدين ضمان توافق الأطر التنظيمية مع معايير التجارة الدولية لتسهيل دخول الشركات إلى السوق بسلاسة أكبر.

فصل جديد في التكامل التجاري الإقليمي

لا تمثل اتفاقية التجارة الحرة بين الهند وقطر مجرد اتفاقية تجارية ثنائية، بل هي خطوة نحو بناء اقتصاد إقليمي متنوع ومرن. ومن خلال توسيع نطاق التعاون ليشمل قطاعات أخرى غير الطاقة، واحتضان قطاعات ناشئة كالتكنولوجيا الرقمية والطاقة المتجددة والبنية التحتية، يُمكن لهذه الاتفاقية أن تُعيد تعريف علاقات الهند التجارية مع الشرق الأوسط.

مع تقدم المفاوضات، تتاح للبلدين فرصة فريدة لوضع إطار عمل يدعم الابتكار والشمولية والاستدامة. وإذا نُفذت اتفاقية التجارة الحرة بين الهند وقطر بفعالية، فقد تصبح حجر الزاوية في تنويع التجارة الإقليمية، وتعزز الاستقرار الاقتصادي، وترسي الأساس لمستقبل أكثر ترابطاً وازدهاراً في جنوب آسيا ومنطقة الخليج.

شراكات متعددة في دول الخليج

وفي حوار خاص للباحث في الشأن الأقليمي والدولي، الأستاذ حسين الأسعد، قال أن الهند و قطر تقتربان كثيراً من توقيع اتفاقية تجارة حرة نافذة بحلول منتصف العام المقبل لتصل التبادلات التجارية إلى 30 مليار دولار تقريباً و هذه الاتفاقية على غرار اتفاقية الهند و الإمارات شراكة اقتصادية شاملة و التي دخلت حيز التنفيذ في مايو 2022 و الذي جعل من الإمارات احد أكبر شركاء الهند التجاريين قرابة 100 مليار دولار هو حجم التبادل التجاري بينهما سنويا.

وأضاف الباحث لموقع “داي نيوز” الإخباري ، أن المصالح الاقتصادية الخليجية واحدة رغم خلافاتها السياسية فيما بينهم أحياناً لكن الاقتصاد هو محور مهم لا يمكن التفريط به و الخليج يعرف جيداً مشتركات المصلحة الموحدة … لهذا نرى العلاقات الخليجية مع الدول المؤثرة اقتصادياً تتمتع بالكثير من البراغماتية العالية لأنها تأخذ التحولات العالمية بنظر الاعتبار و تحافظ على توازن علاقتها التجارية مع الجميع … مما أدى الى تعدد الألوان التجارية الغربية و الروسية و الصينية و الهندية قد اجتمعت على أرضها لان عوامل الجيوسياسي التي جعلتها مهمة جداً هو سوق الطاقة و الاستثمارات العالمية السبب الذي جعلت الخليج لا تخاطر بها على حساب مواقف سياسية هنا أو هناك.

إقرأ أيضاً: ارتفاع معظم أسواق الخليج بفضل توقعات خفض أسعار الفائدة الأمريكية

أهمية الخليج للهند

وأكد الأسعد على أن الهند تعرف كيف توازن علاقاتها مع الآخرين و لأهمية الخليج دأبت إلى الحفاظ على هذه العلاقات التي عمقها التاريخي و الجغرافي لا يمكن تجاهله منذ اعتماد المطبخ الخليجي الدسم على البهارات الهندية … لهذا و ذاك الهند تسعى إلى أن تتسلل بهدوء بين شرايين اقتصاد الخليج آخذة بنظر الاعتبار و متفهمة المواقف لبعض الدول الخليجية في حرب الأربعة ايام ضد باكستان في حزيران الماضي بل و حتى التحالف الامني السعودي الباكستاني و الذي اعتبر الاعتداء على اي طرف هو اعتداء على الطرف الآخر … كل هذا لم يمنع الهند في المضي للتقارب مع الخليج.

تنوع مصادر الغاز

أما الغاز الطبيعي المسال فقد نجحت الهند بأن لا تضع كل البيض في سلة واحدة و بالتالي تنوع استيرادها من روسيا و قطر و الحفاظ على هذا المبدأ لكي لا تُستغل من قبل الدولة المصدرة لها في حال كانت هي الوحيدة في سوقها.

ممر إقتصادي يربط الهند بالعالم

وأختتم الباحث حواره بأن دول الخليج لا يمكن للهند القفز فوقها و بالمقابل لا يمكن للخليج تجاهل الهند وفق مبدأ تبادل المنفعة توج هذا المبدأ لدى رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي الذي يحاول إخراج الهند من مفهوم ( الدول القانعة ) الى مفهوم ( الدول الغير قانعة ) من خلال تحركاته و تكثيف زيارته و اللعب مع الاضداد و ازالة المحرمات بأن يكون لديه علاقات حقيقية مع المختلفين بأسلوب حيادي فهو قريب من إسرائيل و من دون قطيعة مع الخليج و يتعامل مع الصين و روسيا من دون خسارة الغرب هذه العقلية دفعت به ان يكون جزءً من ( الممر الاقتصادي بين الهند و الشرق الأوسط و أوربا ).

و الذي يرتبط بشبكة متكاملة من سكك الحديد و موانئ و مرافق الطاقة و الاتصالات مروراً بالخليج و الأردن و اسرائيل و بالتأكيد هذا يعطي للخليج دوراً مهماً في فرض نفسها بأن تكون في قلب العالم الجديد و تقريب أطراف المترامية شرقاً و غرباً و ربط القارات و لأن ذلك فيه مصلحة الجميع بالتأكيد سوف يكون مصدراً للأستقرار العالمي في حال تغلب على التحديات الأقليمية و اللوجستية و المالية و أيضاً على تفاهمات الأطراف جميعاً.

Sara Mahmoud

سارة محمود كاتبة وصحفية متخصصة في الشأن الهندي والباكستاني خبرة 8 سنوات في مجال العمل الصحفي والإعلامي. أماكن العمل: فرسان للأخبار الإماراتية، وموقع العين الإخبارية، وأبلكيشن الزبدة الإخباري وداي نيوز الإخباري، ونافذة الشرق الإخباري. أعمل على ترجمة وتحرير الأخبار والتقارير الصحفية المتنوعة، وكذلك كتابة اسكريبت فيديوجراف وإنفوجراف. أهتم بالتحليل السياسي والإعلامي لدول جنوب شرق آسيا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى