أخبار دولية

بين فوهات البنادق وضغوط السياسة.. لماذا يتعثر مسار السلام في السودان؟

شروق محمد

بعد أكثر من عام ونصف على اندلاع الحرب في السودان، لا تزال المبادرات الإقليمية والدولية تصطدم بجدار الرفض، في وقت تتفاقم فيه الكارثة الإنسانية وتتسع رقعة الدمار. وبينما تتجه أنظار الداخل والخارج نحو قيادة الجيش باعتبارها الطرف القادر على فتح نافذة للحل، تتزايد تساؤلات المراقبين حول أسباب الإصرار على الخيار العسكري، رغم كلفته الباهظة.

قائد الجيش عبد الفتاح البرهان لا ينكر حجم الخسائر التي خلفتها الحرب منذ أبريل 2023، من مئات الآلاف من الضحايا وتشريد الملايين وانهيار الاقتصاد، لكنه يتمسك، في خطاباته، بمعادلة “الحسم العسكري أولًا”، مشترطًا انسحاب قوات الدعم السريع من كل المناطق التي تسيطر عليها قبل أي حديث عن تفاوض. شروط يصفها متابعون بأنها عمليًا تعني إغلاق باب الحل السياسي.

حسابات ما بعد الحرب

يربط محللون هذا الموقف بجملة اعتبارات تتجاوز ميدان المعركة. فعودة المسار المدني أو إطلاق عملية عدالة انتقالية قد تفتح ملفات ثقيلة تتعلق بانتهاكات وجرائم شهدتها البلاد خلال السنوات الماضية، بدءًا من فض اعتصام القيادة العامة في يونيو 2019، وصولًا إلى أحداث ما بعد انقلاب أكتوبر 2021. ويرى مراقبون أن هذه الملفات تمثل هاجسًا حقيقيًا لأي تسوية سياسية شاملة.

في المقابل، يبرز عامل آخر لا يقل تأثيرًا، يتمثل في شبكة التحالفات داخل المؤسسة العسكرية، وخصوصًا مع التيار الإسلامي. فبحسب متابعين، فإن قوى إسلامية فقدت نفوذها بعد سقوط نظام عمر البشير ترى في استمرار الحرب فرصة لإعادة التموضع والعودة إلى مفاصل الدولة، ما يجعل أي تسوية سياسية تهديدًا مباشرًا لمشروعها.

تأثير القيادات على القرار

تزامن تشدد قيادة الجيش مع تصريحات علنية من قيادات إسلامية ترفض الحلول المطروحة وتصفها بـ”التدخل الخارجي”. وفي هذا السياق، يقول دبلوماسيون ومحللون إن خطاب “السيادة” بات يُستخدم كغطاء سياسي لإطالة أمد الصراع، رغم ما يسببه من عزلة إقليمية ودولية.

السفير عادل شرفي يرى أن القرار السياسي والعسكري في السودان “مختطف” من قبل جماعة تسعى إلى إعادة إنتاج سلطتها عبر الحرب، محذرًا من أن هذا المسار يفاقم عزلة البلاد ويقوض فرص الدعم الدولي والمساعدات الإنسانية.

سلام مؤجل وضغوط متصاعدة

في ظل هذا المشهد، تتزايد الضغوط الشعبية المطالبة بوقف القتال، خاصة مع تآكل الرصيد الشعبي للحرب وانكشاف كلفتها الحقيقية. ويؤكد صحفيون ومحللون أن الخطاب العدائي تجاه الوسطاء الدوليين يعكس مأزقًا داخليًا أكثر منه موقفًا سياديًا، إذ يُستخدم لاستقطاب مؤقت وتبرير استمرار القتال.

رئيس تحرير مجلة أفق جديد عثمان فضل الله يلخص المشهد بقوله إن “استعداء الخارج أصبح ملاذًا تقليديًا في لحظات فقدان الشرعية”، لكنه حذر من أن هذا النهج يعمّق الانقسام الداخلي ويغلق أبواب الحل.

إلى أين يتجه السودان؟

بين مخاوف المحاسبة، وضغوط الحلفاء، وتراجع الغطاء الشعبي، تبدو الحرب في السودان أسيرة حسابات سياسية معقدة، يدفع ثمنها المدنيون يومًا بعد يوم. ومع تعثر كل المسارات، يبقى السؤال مفتوحًا: هل تسبق مصلحة الدولة حسابات الأفراد، أم يظل السلام مؤجلًا إلى أجل غير معلوم؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى