الهند بين العقيدة والسلطة: كيف أعاد اليمين الهندوسي تشكيل الدولة والهوية

شهدت الهند تحولات سياسية واجتماعية عميقة خلال السنوات الأخيرة، مع تصاعد نفوذ جماعة اليمين الهندوسي “منظمة راشتريا سوايامسيفاك سانج” (RSS)، التي تسعى لإعادة صياغة الهوية الوطنية وتحويل الهند إلى دولة هندوسية أولاً.
هذا الصعود لم يكن مجرد حدث سياسي عابر، بل تعكس سياسات المنظمة رغبتها في السيطرة على مختلف مفاصل المجتمع، بما يشمل السياسة والاقتصاد والثقافة والإعلام.
جذور الحركة
تأسست منظمة RSS في عشرينيات القرن الماضي كحركة سرية لإحياء الفخر الهندوسي بعد الحقبة الاستعمارية والغزوات التاريخية. واستلهمت قياداتها نماذج تنظيمية جزئية من الحركات القومية والفاشية في أوروبا، ونجت من الحظر المتكرر لتصبح أكبر قوة يمينية في العالم.
وكان لناريندرا مودي دور بارز في توسيع نفوذ RSS بعد انخراطه المبكر في صفوفها، ليصبح لاحقًا رئيس الوزراء ويُتيح للمنظمة انتشارًا أوسع داخل الحكومة والمجتمع.
النفوذ السياسي
أسهمت RSS في تعزيز سيطرة حزب بهاراتيا جاناتا على الانتخابات الوطنية والمحلية، وممارسة تأثير مباشر على المرشحين والبرامج الانتخابية. كما ارتبطت المنظمة بحملات ضد الأقليات الدينية، خصوصًا المسلمين والمسيحيين، ما أدى إلى تصاعد الانقسامات الدينية والاجتماعية داخل الهند.
هيكلية المنظمة
تتميز RSS بشبكة واسعة من الفروع المحلية المسماة شاكا، التي تقدم تدريبات رياضية وروحية للشباب، بالإضافة إلى أذرع طلابية، ونقابات عمالية وزراعية، وهيئات دينية وخيرية، ما يضمن استمرار تأثيرها واستقطاب قاعدة شعبية كبيرة.
صعود تدريجي
بدأت المنظمة تعزيز نفوذها السياسي منذ خمسينيات القرن الماضي عبر جناحها السياسي، وتحقق أول انتصار كبير في السبعينيات، ثم توطدت مكانتها بعد حملة موقع أيوديا الديني في التسعينيات. ومع انتخاب مودي رئيسًا للوزراء في 2014، أصبحت أهداف RSS الوطنية أكثر وضوحًا.
التوسع الحديث
في العقد الأخير، توسع حضور RSS بشكل كبير، مع افتتاح مجمعات فخمة في نيودلهي وتعيين قادة في مناصب مؤثرة. شعارهم “كل منزل، كل شارع” يعكس طموحهم لتغطية جميع جوانب المجتمع الهندي بالأنشطة القومية، بما يشمل الاحتفالات، التدريبات، واليوغا.
على الرغم من النفوذ الكبير، تواجه RSS تحديات في التوازن بين طموحاتها التنظيمية والواقع على الأرض. في بعض الولايات، يُلاحظ تضارب بين السياسات الرسمية واهداف المنظمة، خاصة فيما يتعلق بالتعامل مع الأقليات والحرص على إبقاء السرد العام تحت السيطرة.
الرؤية المستقبلية
تهدف RSS إلى تحويل الهند إلى دولة هندوسية ثقافيًا، مع إبقاء مكان محدود للديانات الأخرى، مؤكدة أهمية مشاركة الجيل الجديد للحفاظ على الهيمنة دون الانزلاق إلى العنف. هذا الصعود يعكس كيف يمكن لحركة منظمة أن تعيد تشكيل دولة ذات تاريخ علماني طويل، مع الحفاظ على النفوذ السياسي والمجتمعي رغم الانتقادات المحلية والدولية.



