تقارير

اقتصاد إيران على مفترق طرق بين دعم العملة وأزمة المعيشة

يشهد الاقتصاد الإيراني مرحلة حرجة، حيث تتصارع الحكومة والأجهزة الاقتصادية بين خيارين رئيسيين: معالجة أزمة تكاليف المعيشة المتزايدة أو الاستمرار في دعم أسعار الصرف المدعومة التي أثبتت فشلها في حماية القوة الشرائية للمواطنين وأسهمت في تفشي الفساد.

التخلي عن الدعم قد يؤدي إلى موجة جديدة من التضخم، في وقت يعاني فيه الريال الإيراني انهيارًا متواصلًا، ما يضاعف من الضغوط على الأسر الإيرانية والطبقة الوسطى المنهكة.

تحذيرات الخبراء

وفقًا لقناة “إيران إنترناشيونال”، أشار محافظ البنك المركزي الإيراني السابق، محمد حسين عادلي، في افتتاحية بصحيفة “دنياي اقتصاد” إلى أن الفجوة بين أسعار الصرف المدعومة وأسعار السوق الحرة تخلق تشوهات كبيرة وتؤثر على الاستقرار الاقتصادي، بينما تخدم في الوقت ذاته أهدافًا سياسية وتوزيعية محددة.

نظام العملة التفضيلي وأهدافه

أُطلق نظام العملة التفضيلي في أبريل 2018 تحت رئاسة حسن روحاني، حين تم تثبيت سعر الصرف عند 42 ألف ريال للدولار، وتم تمويله من عائدات النفط والمنتجات البترولية. وكان الهدف الرئيسي:

حماية الأسر منخفضة الدخل

ضمان وصول المواطنين إلى السلع الأساسية والأدوية.

مع مرور الوقت، بدأت الفجوة بين سعر الصرف الرسمي وسعر السوق الحرة تتسع، وزاد الضغط على ميزانية الدولة، مما دفع إدارة إبراهيم رئيسي لإلغاء النظام في إطار ما وصف بـ”الجراحة الاقتصادية”، مشيرة إلى:

فرص التحايل الكبيرة من قبل المستوردين.

تحقيق أرباح غير مشروعة على حساب الاحتياطيات النقدية.

فشل الدعم في الوصول إلى المستهلكين، وأصبح عبئًا ماليًا على الدولة.

انهيار العملة وتأثيره على السوق

وصل الريال الإيراني إلى مستوى قياسي منخفض تجاوز 1.31 مليون ريال مقابل الدولار الأمريكي، في انهيار مستمر لم يمضِ على تجاوز مستوى 1.2 مليون سوى أقل من أسبوعين.

وقد أشار متعاملون في سوق العملات بطهران إلى سرعة انخفاض الريال منذ الثالث من ديسمبر، مما يعكس الأزمة الحادة التي يعانيها الاقتصاد الإيراني.

التضخم وأزمة المعيشة

أدى انهيار العملة إلى تسجيل أعلى معدل تضخم سنوي منذ الحرب العالمية الثانية، ما تسبب في ارتفاع أسعار المواد الغذائية والسلع الأساسية، وزيادة الضغوط على ميزانيات الأسر.

وأثار ارتفاع الأسعار موجة احتجاجات واسعة، تعكس الغضب الشعبي تجاه السياسات الاقتصادية الحالية.

إعادة تقديم دعم العملة وتقييده

بعد عدة أشهر من الإلغاء، أعادت الحكومة تقديم دعم العملة الأجنبية عند 285 ألف ريال للدولار، أي نحو نصف سعر السوق الحرة آنذاك، شمل دعم العملة 25 فئة من السلع الأساسية. لاحقًا تم إزالة عدد من العناصر من القائمة، وفي الأشهر الأخيرة أُلغِي دعم عدد من السلع المهمة مثل:

الأرز

زيوت الطعام

اللحوم الحمراء

علف الحيوانات

الأدوية

قدمت الدولة للمستوردين نحو:

18 مليار دولار في 2023 بسعر 285 ألف ريال.

15 مليار دولار في 2024.

ومن المتوقع أن تنخفض التخصيصات إلى نحو 12 مليار دولار هذا العام.

تعديل أسعار البنزين

في أول تعديل لأسعار الوقود منذ 2019، حصل السائقون على 60 لترًا شهريًا بالسعر المدعوم 15 ألف ريال للتر، و100 لتر أخرى بسعر 30 ألف ريال، بينما أصبح أي شراء إضافي يتجاوز ثلاثة أضعاف السعر المدعوم الأصلي.

على الرغم من أن أسعار البنزين تبقى منخفضة عالميًا، يحذر خبراء من أن هذا التغيير قد يغذي التضخم أكثر في ظل انخفاض قيمة الريال.

انهيار الطبقة الوسطى وتأثير السياسات

انخفاض قيمة الريال وارتفاع التضخم أدى إلى انهيار الطبقة الوسطى، وزيادة الصعوبات المالية للأسر الإيرانية.

ورغم محاولات النظام الحفاظ على استقرار الأسعار، إلا أن الدعم لم يصل بشكل كافٍ للمواطنين، بينما أدى إلى فساد منهجي واستغلال الموارد المالية.

العوامل الخارجية

تأتي هذه الأزمة مع توقف محاولات إحياء المفاوضات بين واشنطن وطهران بشأن البرنامج النووي الإيراني، واستمرار حالة عدم اليقين بعد حرب يونيو بين إيران وإسرائيل، مما يزيد من توتر الأسواق ويضع الاقتصاد أمام تحديات إضافية، وسط مخاوف شعبية من مواجهة أوسع تشمل الولايات المتحدة.

يقف الاقتصاد الإيراني اليوم على مفترق طرق:

الاستمرار في دعم العملة قد يفاقم الفساد ويثقل الميزانية دون حل جذري لمشكلات المعيشة.

التخلي عن الدعم قد يثير موجة جديدة من التضخم ويزيد معاناة المواطنين، خاصة الطبقة الوسطى، في وقت حرج اقتصادي واجتماعي.

الحكومة مطالبة باتخاذ حلول اقتصادية عاجلة ومستدامة للتعامل مع انهيار العملة والتضخم، مع مراعاة حماية الفئات الأكثر تضررًا، لتجنب كارثة اجتماعية واقتصادية قد تمتد إلى مختلف شرائح المجتمع الإيراني.

Mariam Hassan

مريم حسن كاتبة وصحفية متخصصة في الشأن الهندي ـ الباكستاني و جنوب شرق آسيا خبرة سنتين في مجال العمل الصحفي والإعلامي. أماكن العمل : داي نيوز الإخباري. أعمل على ترجمة وتحرير الأخبار والتقارير الصحفية المتنوعة. تحليل و دراسة التحولات السياسية والتهديدات الأمنية في آسيا وانعكاساتها على الأمن القومي المصري والعربي. متابعة التطورات الاقتصادية والتكنولوجية، وتحليل سياسات القوى الإقليمية وأنماط التحالفات بين جنوب آسيا والشرق الأوسط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى